اقتحمت غرفةَ قراءتي زوجتي بفكرة بدت لي أقرب إلى الهرطقة بسؤالها لي: لم لا تتخلص من مجلدات موسوعتك البريطانية الضخمة هذه؟ إنها تنطلق من حسن نية يحركها الشعور بأن غرفة قراءتي يجب أن تكون منظمة وأنيقة ويسهل التعامل معها. ولعل هناك ما يبرر وجهة نظرها، خاصةً وأن بالغرفة نحو 200 قدم من رفوف الكتب الممتلئة جميعاً. بل إن الكتب تتراكم فوق بعضها خارج المساحة المخصصة لها في الرفوف. كما أن لي كتباً أخرى كثيرة متناثرة في غرف المنزل الأخرى. أما في مكتبي بالجامعة التي أدرّس فيها، فهناك رفوف للكتب تبلغ مساحتها 150 قدماً. ومن وجهة نظري الشخصية أن الكتب ليست من المقتنيات التي ينبغي لنا رميها أو التخلص منها لأي سبب كان. وتحتل الموسوعة البريطانية، المؤلفة من 24 مجلداً سميكاً، مساحة تقدر بنحو 4 أقدام من الرفوف داخل غرفة قراءتي. وقد تجولت معي هذه الموسوعة الورقية الضخمة من آسيا إلى بوسطن ومين، وعبر القارة الأميركية كلها، لأنها كانت معي دائماً بعدد المرات التي انتقلت للإقامة فيها بين المدن والولايات المختلفة. ويمكنني القول بثقة تامة إن هذه الموسوعة أصبحت فرداً من أفراد عائلتي دون شك. غير أن زوجتي التي يطغى على تفكيرها دائماً السلوك العملي، نصحتني بالتخلص من مجلدات الموسوعة الضخمة هذه، كي يتسنى لي وضع بعض الكتب التي لا مكان لها في الرفوف حالياً مكانها. وقد كانت تلك نصيحة عملية ماكرة تصعب هزيمتها منطقياً. لكني رددت عليها قائلاً بقلبي لا بعقلي: "لكني أحتاجها". فأصرّت من ناحيتها: متى كانت آخر مرة استخدمتها فيها؟ وما كان بوسعي أن أكذب فاعترفت بأنها منذ فترة طويلة أو حتى منذ بضع سنوات. وهنا وجدت زوجتي الثغرة المناسبة لتباغتني بالقول: "لقد أهدانا أحد الأصدقاء موسوعة إلكترونية كاملة شاملة، وهي محمّلة الآن على أجهزة الكمبيوتر التي نستخدمها كل يوم". ولم تكتف بذلك، بل حملت على تمسكي العنيد بموسوعتي الورقية بقولها: لقد اعتدت دائماً على استخدام جميع محركات البحث الإلكتروني المتوفرة عبر الشبكة للحصول على المعلومات التي تحتاجها، دون الحاجة إلى تقليب صفحة واحدة من صفحات موسوعتك الورقية". ومع ذلك، لم تهتز قناعتي بعلاقة التجاور الحميم التي ربطت بين مجلدات موسوعتي البريطانية الضخمة ورف الكتب المخصصة لإدارة ريجان، وتلك التي تغطي فترة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرشل. وإلى جانب هذين الرفّين لديّ رفوف كتب أخرى تغطي عدداً من الكتّاب والشخصيات الصحفية والسياسية البارزة. كما أن لي رفاً عن كتب الأديان، وآخر لمؤلفات ديلان توماس وغيره عن ويلز موطني ومسقط رأسي. ولي أرفف أخرى من الكتب عن الصين وإندونيسيا وإفريقيا، وعن الشؤون الدولية والدبلوماسية المعاصرة. ومما قد يستغرب له البعض أن لي رفاً من الكتب عن الكلاب، بما فيها كتاب بعنوان "نحو رسالة الدكتوراه عن الكلاب"، وكتاب آخر عن "كلاب البنادق وتدريبها"، رغم أنه لم يحدث لي أن أطلقت طلقة واحدة في الهواء طوال حياتي! ومنذ الأيام التي جلست فيها لامتحان القبول لقوات خفر السواحل الأميركية، ظللت أحتفظ بكتاب "شابمان" عن "فن الإبحار وقيادة القوارب الصغيرة"، مع أنه ليست لي أي خطط الآن لقيادة أي مركب صغير في أيٍ من بحار الدنيا ومحيطاتها الواسعة. ومن فرط حبي للكتب وتشبثي بها، ما زلت أحتفظ بكتاب عنوانه "كيف تبني الهياكل والأجسام الهندسية الخارجية"، رغم أني لست ممن يبنون أي هيكل أو جسم هندسي خارجي. بعد هذه القصة الطويلة حول موسوعتي الورقية التي ظلت تثير ضيق زوجتي، عليّ أن أتساءل عن مستقبل صناعة الكتب الورقية المطبوعة في عصر تكنولوجيا الإنترنت والنشر الرقمي. فهل صحيح أن صناعة النشر الورقي التقليدية آيلة قريباً إلى الزوال؟ بدأت الإجابة عن هذا السؤال بالبحث الجدي عما يمكن أن أفعله بمجلدات موسوعتي البالغة 24 مجلداً من الحجم السميك. صحيح أن المنظمات والمؤسسات الخيرية المحلية لم تعد تقبل مجرد استلام التبرعات بمثل هذه الموسوعات الورقية الضخمة. كما نظمت إحدى مكتبات البيع المحلية معرض مبيعاتها السنوية قريباً، لكنها لم تتمكن من بيع أي من موسوعاتها الورقية الكاملة ولو بمقابل دولار واحد عن الموسوعة الكاملة. ويبدو أن الانفجار المعلوماتي الهائل عبر الشبكة، لم يترك مجالاً لترويج الموسوعات الورقية مجاناً في الأسواق! غير أن أحدث التقارير الصادرة عن مبيعات الكتب الإلكترونية، تشير إلى أن نسبة هذه المبيعات لا تزال تعادل نحو 7 في المئة فحسب من إجمالي مبيعات الكتب عالمياً. عندها قلت لنفسي: لا شك أن ذلك يعني هوس الملايين بقراءة الكتب والمجلات والصحف المطبوعة مثلي إلى اليوم. وعليه فلترقد مجلدات موسوعتي البريطانية هانئة في مكانها الأليف كما يحلو لها. جون هيوز مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"